فصل: الحديث الخَامِس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّالِث:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من قاء أَو رعف أَو أمذى فِي صلَاته، فلينصرف وليتوضأ وليبن عَلَى صلَاته مَا لم يتَكَلَّم».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق:
أَحدهَا: من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن ابْن جريج، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «من أَصَابَهُ قيء أَو رُعَاف أَو قلس أَو مذي فلينصرف وليتوضأ، ثمَّ ليبن عَلَى صلَاته وَهُوَ فِي ذَلِك لَا يتَكَلَّم».
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث إِسْمَاعِيل أَيْضا قَالَ: حَدثنِي عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، عَن أَبِيه، وَعَن عبد الله بن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: «إِذا قاء أحدكُم فِي صلَاته أَو قلس، فلينصرف فَليَتَوَضَّأ ثمَّ ليبن عَلَى مَا مَضَى من صلَاته مَا لم يتَكَلَّم» قَالَ ابْن جريج: فَإِن تكلم اسْتَأْنف. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث إِسْمَاعِيل، عَن ابْن جريج، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا قاء...» بِهِ، إِلَّا أَنه قَالَ: «وليبن عَلَى صلَاته مَا لم يتَكَلَّم» بدل «ثمَّ ليبن...» إِلَى آخِره قَالَ: قَالَ ابْن جريج: وحَدثني ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا مثله. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث إِسْمَاعِيل أَيْضا عَن عباد بن كثير وَعَطَاء بن عجلَان، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة بِمثلِهِ، ثمَّ قَالَ: عباد وَعَطَاء ضعيفان، ثمَّ قَالَ: كَذَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيل، عَن ابْن جريج، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة، وَتَابعه سُلَيْمَان بن أَرقم وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، وَأَصْحَاب ابْن جريج الْحفاظ عَنهُ يَرْوُونَهُ عَن ابْن جريج عَن أَبِيه مُرْسلا. ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ حَدِيث سُلَيْمَان بن أَرقم، عَن ابْن جريج، عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا رعف أحدكُم فِي صلَاته أَو قلس، فلينصرف فَليَتَوَضَّأ وليرجع فليتم عَلَى مَا مَضَى مِنْهَا مَا لم يتَكَلَّم» قَالَ: وحَدثني ابْن جريج، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا مثله، ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث أبي عَاصِم وَمُحَمّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ وَعبد الرَّزَّاق كلهم، عَن ابْن جريج، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا قاء أحدكُم أَو قلس أَو وجد مذيًا وَهُوَ فِي الصَّلَاة، فلينصرف فَليَتَوَضَّأ وليرجع فليبن عَلَى صلَاته مَا لم يتَكَلَّم».
ثمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ لنا أَبُو بكر: سَمِعت مُحَمَّد بن يَحْيَى يَقُول: هَذَا هُوَ الصَّحِيح عَن ابْن جريج، وَهُوَ مُرْسل، وَأما حَدِيث ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة الَّذِي يرويهِ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش فَلَيْسَ بِشَيْء.
ثمَّ سَاق بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث عبد الْوَهَّاب، عَن ابْن جريج، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «من وجد رعافًا أَو قيئًا أَو مذيًا أَو قلسًا، فَليَتَوَضَّأ، ثمَّ ليتم عَلَى مَا مَضَى مَا بَقِي، وهُوَ مَعَ ذَلِك يتوقى أَن يتَكَلَّم» وَصرح الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا فِي علله بتصويب رِوَايَة الْإِرْسَال فَقَالَ: رَوَاهُ أَصْحَاب ابْن جريج، عَن أَبِيه مُرْسلا، وَلم يذكرُوا ابْن أبي مليكَة وَهُوَ الصَّوَاب.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: رِوَايَة إِسْمَاعِيل، عَن ابْن جريج، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة خطأ، إِنَّمَا يرويهِ ابْن جريج، عَن أَبِيه، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا، والْحَدِيث هُوَ هَذَا. وَلما ذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي «إِمَامه» كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه السالفة أتبعه بِكَلَام أبي حَاتِم هَذَا، ثمَّ قَالَ: يَنْبَغِي أَن يتتبع هَذَا بالكشف، ثمَّ ذكر رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ السالفة الْمُرْسلَة ثمَّ المسندة الَّتِي فِيهَا: قَالَ ابْن جريج... إِلَى آخِره قَالَ: وَمِمَّنْ رَوَاهُ بِهَذَيْنِ الإسنادين جَمِيعًا عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش الرّبيع بن نَافِع وَدَاوُد بن رشيد، ثمَّ قَالَ: وهَذِه الرِّوَايَات الَّتِي جمع فِيهَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش بَين الإسنادين جَمِيعًا- أَعنِي: الْمُرْسل والمسند- فِي حَالَة وَاحِدَة مِمَّا يبعد الْخَطَأ عَلَى إِسْمَاعِيل، فَإِنَّهُ لَو اقْتصر عَلَى رفع مَا وَقفه النَّاس لتطرق الْوَهم إِلَى خطئه تطرقًا قَرِيبا، فَأَما وَقد وَافق النَّاس إِلَى روايتهم الْمُرْسل وَزَاد عَلَيْهِم الْمسند فَهَذَا يشْعر بتحفظٍ وَتثبت فِيمَا زَاده عَلَيْهِم. قَالَ: وَإِسْمَاعِيل قد وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين وَغَيره، وَتَابعه عَلَى الْمسند سُلَيْمَان بن أَرقم. وَهَذَا الْبَحْث من الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين يُؤذن بِصِحَّة رِوَايَة الْمسند أَيْضا، وَاحْتج إِلَى ذَلِك ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه فَإِنَّهُ قَالَ: إِن قيل: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الْحفاظ من أَصْحَاب ابْن جريج يَرْوُونَهُ، عَن ابْن جريج، عَن أَبِيه مُرْسلا، وَأما حَدِيثه، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة الَّذِي يرويهِ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش فَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لَيْسَ بِشَيْء، وَإِنَّمَا يرويهِ ابْن أبي مليكَة عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ أجَاب بِأَن يَحْيَى بن معِين وثق إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة. والمرسل عِنْد أَحْمد حجَّة. انْتَهَى كَلَامه.
وَخَالف ذَلِك فِي علله فَذكره وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح؛ فَإِن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش تغير فَصَارَ يخلط. قَالَ ابْن عدي: وَقد قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث عَن ابْن جريج، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة. وَهَذَا تخَالف مِنْهُ عَجِيب، وَقد أسلفت لَك فِي الحَدِيث السَّابِع من بَاب الْغسْل مقَالَة الْحفاظ فِي إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَأَن أَكثر الْحفاظ عَلَى ضعفه فِي غير الشاميين، وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَته عَن ابْن جريج وَهُوَ حجازي، فَهُوَ ضَعِيف من هَذَا الْوَجْه، وَقد ضعفه جماعات.
قَالَ ابْن حزم فِي محلاه لما ذكره من طَرِيق إِسْمَاعِيل، عَن ابْن جريج، عَن أَبِيه، وَعَن ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة: هَذَانِ أثران ساقطان؛ لِأَن وَالِد ابْن جريج لَا صُحْبَة لَهُ، فَهُوَ مُنْقَطع، وَالْآخر من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَهُوَ سَاقِط لاسيما عَن الْحِجَازِيِّينَ. انْتَهَى كَلَامه. وَعبارَته فِي إِسْمَاعِيل فِيهَا نظر، فَإِنَّهُ لَيْسَ سَاقِطا كَمَا أَشرت إِلَيْهِ هُنَاكَ، بل هُوَ من الْمُخْتَلف فيهم.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: اسْتدلَّ أَصْحَابنَا بِأَحَادِيث مُسْتَقِيمَة رويت بأسانيد واهية فَذكر مِنْهَا هَذَا الحَدِيث، وَتكلم عَلَيْهِ نَحْو كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ السالف، وَقَالَ: إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش لَا تقوم بِهِ حجَّة، وَعباد وَابْن عجلَان ضعفاء. قَالَ يَحْيَى فِي عباد: لَيْسَ بِشَيْء، وَكَانَ يوضع لَهُ الحَدِيث فَيحدث بِهِ. وَقَالَ البُخَارِيّ: تَرَكُوهُ. وَقَالَ البُخَارِيّ فِي عَطاء: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الْجوزجَاني: كَذَّاب، قَالَ: وَتَابعه سُلَيْمَان وَهُوَ شَرّ من إِسْمَاعِيل بِكَثِير. قَالَ يَحْيَى بن معِين: لَيْسَ يسوى فلسًا. وَقَالَ البُخَارِيّ: تَرَكُوهُ. وَقَالَ الْجوزجَاني: سَاقِط. قَالَ الْبَيْهَقِيّ:
فَهَذَا حَال رُوَاة هَذَا الحَدِيث قَالَ: وَالصَّوَاب إرْسَاله. وَذكر فِي سنَنه عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ: مَا رَوَى ابْن عَيَّاش، عَن الشاميين صَحِيح، وَمَا رَوَى عَن أهل الْحجاز فَلَيْسَ بِصَحِيح، وَإِنَّمَا رَوَى ابْن جريج هَذَا الحَدِيث عَن أَبِيه لَيْسَ فِيهِ ذكر عَائِشَة ثمَّ أسْندهُ كَذَلِك مُرْسلا قَالَ: وَهُوَ الْمَحْفُوظ.
قلت: وَضَعفه أَيْضا من الْمُتَأَخِّرين ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط فَقَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح رَفعه وَهُوَ مُرْسل ضَعِيف رَوَاهُ جمَاعَة عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن أَبِيه، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا. وَرَوَاهُ عَن إِسْمَاعِيل جمَاعَة عَن ابْن جريج عَن أَبِيه مُرْسلا وَالْمَحْفُوظ فِيهِ الْمُرْسل، كَذَلِك رَوَاهُ جمَاعَة غَيره من الثِّقَات، ووصْلُِه أحد مَا أُنكر عَلَى إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَأهل الحَدِيث يضعفونه فِيمَا يرويهِ عَن غير أهل الشَّام لسوء حفظه عَنْهُم، وَابْن جريج لَيْسَ شاميٍّا فَاعْلَم ذَلِك؛ فَإِن فِي نِهَايَة الْمطلب عَلَى هَذَا الحَدِيث كلَاما غير قويم.
قلت: أَرَادَ بِهِ قَوْله فِيهِ تَوْجِيه الْقَدِيم الحَدِيث الْمَرْوِيّ فِي الصِّحَاح وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة إِلَى آخِره قَالَ: وَإِنَّمَا لم يقل بِهِ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد لإرسال ابْن أبي مليكَة؛ فَإِنَّهُ لم يلق عَائِشَة وَلَا حجَّة فِي الْمُرْسل عِنْده، وَقد رَوَى إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش فِي طَرِيقه، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، لَكِن إِسْمَاعِيل هَذَا سيئ الْحِفْظ، كثير الْغَلَط فِيمَا يرويهِ عَن غير الشاميين، وَابْن أبي مليكَة لَيْسَ من الشاميين. هَذَا آخر كَلَامه وَتَبعهُ الْغَزالِيّ فِي بسيطه فَقَالَ: رَوَى ابْن أبي مليكَة، عَن عَائِشَة عَنهُ أَنه قَالَ: «من قاء...» إِلَى آخِره بِلَفْظ الرَّافِعِيّ السالف، ثمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا لم يعْمل بِهِ الشَّافِعِي؛ لكَونه مُرْسلا، وَإِلَّا فيسهل عَلَيْهِ كتب صِحَاح. انْتَهَى. وَفِيه أغاليط فَاحِشَة:
إِحْدَاهَا: دَعْوَاهُ أَنه فِي الصِّحَاح وَلم يُخرجهُ أحد فِيهَا، وَهُوَ من أَفْرَاد سنَن ابْن مَاجَه، وفيهَا أَحَادِيث كَثِيرَة ضَعِيفَة بل مَوْضُوعَات.
ثَانِيهَا: قَوْله إِنَّه جعل إرْسَاله أَن ابْن أبي مليكَة لم يلق عَائِشَة، وَإِنَّمَا إرْسَاله أَن ابْن جريج يرويهِ عَن أَبِيه مُرْسلا كَمَا سلف عَن الدَّارَقُطْنِيّ، أَو يرويهِ عَن أَبِيه، عَن ابْن أبي مليكَة مُرْسلا كَمَا سلف عَن أبي حَاتِم، وَلَئِن كَانَ الْأَمر كَمَا ذكره فَهُوَ مُنْقَطع لَا مُرْسل بِحَسب اصْطِلَاح أهل هَذَا الْفَنّ.
ثَالِثهَا: إِدْخَاله عُرْوَة بَين عَائِشَة وَابْن أبي مليكَة، فَإِنَّهُ غَرِيب لم أر أحدا ذكره سواهُ، وَقد أخرجته من طرق لَيْسَ هَذَا فِيهَا.
رَابِعهَا: دَعْوَاهُ أَن إِسْمَاعِيل رَوَاهُ عَن ابْن أبي مليكَة، ثمَّ ضعف إِسْمَاعِيل فِي غير الشاميين، فَإِنَّهُ إِنَّمَا رَوَاهُ عَن ابْن جريج عَنهُ فَقَوله: وَابْن أبي مليكَة لَيْسَ من الشاميين صَوَابه إِذن، وَابْن جريج لَيْسَ من الشاميين، فَظهر بِمَا ذَكرْنَاهُ وهم الإِمَام فِي كَلَامه عَلَى هَذَا الحَدِيث وَخُرُوجه عَن الصَّوَاب فِي التَّعْبِير عَن المُرَاد، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحَدِيث غير ثَابت كَمَا قَررنَا، فَلَا يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ، وَقد نقل النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب فِي بَاب الْأَحْدَاث مِنْهُ اتِّفَاق الْحفاظ عَلَى ضعفه؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة إِسْمَاعِيل، عَن ابْن جريج وَهُوَ حجازي، وَرِوَايَة إِسْمَاعِيل عِنْد أهل الْحجاز ضَعِيفَة عِنْد أهل الحَدِيث، وَلِأَنَّهُ مُرْسل.
قَالَ الْحفاظ: الْمَحْفُوظ أَنه عَن ابْن جريج، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّن قَالَ ذَلِك: الشَّافِعِي، وَأحمد بن حَنْبَل، وَمُحَمّد بن يَحْيَى، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم عَن أَبِيه وَأبي زرْعَة، وَأَبُو أَحْمد بن عدي، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهم.
الطَّرِيق الثَّانِي: من طرق الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا رعف أحدكُم فِي صلَاته، فلينصرف فليغسل الدَّم، ثمَّ ليعد وضوءه وَيسْتَقْبل صلَاته».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته من حَدِيث سُلَيْمَان بن أَرقم، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف أَيْضا؛ فَإِن سُلَيْمَان هَذَا مَتْرُوك الحَدِيث كَمَا قدمْنَاهُ عَنْهُمَا وَفِي رِوَايَة لَهما: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا رعف فِي صلَاته تَوَضَّأ ثمَّ بنى عَلَى مَا بَقِي من صلَاته».
وَفِي إسنادها عمر بن ريَاح- برَاء مُهْملَة مَكْسُورَة ثمَّ مثناة تَحت- وَهُوَ مَتْرُوك كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ الفلاس: دجال.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من رعف فِي صلَاته، فَليرْجع فَليَتَوَضَّأ وليبن عَلَى صلَاته».
روياه أَيْضا وَقَالا: فِي إِسْنَاده أَبُو بكر الداهري- يَعْنِي: بِالدَّال الْمُهْملَة- عبد الله بن حَكِيم وَهُوَ مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله: لَا يَصح. قَالَ السَّعْدِيّ: الداهري هَذَا كَذَّاب مُصَرح. وَقَالَ ابْن حبَان: يضع الحَدِيث عَلَى الثِّقَات. وَفِي مُصَنف عبد الرَّزَّاق بِإِسْنَاد جيد عَلَى شَرط الصَّحِيح عَن عَلّي قَالَ: «إِذا رعف الرجل فِي صلَاته أَو قاء، فَليَتَوَضَّأ وَلَا يتَكَلَّم، وليبن عَلَى صلَاته» وَهَذَا مَوْقُوف جيد.
فَائِدَة: القلس فِي الحَدِيث- بِالْقَافِ وَاللَّام وبالسين الْمُهْملَة- الْقَيْء. وَقَالَ الْخَلِيل: هُوَ مَا خرج من الْحلق ملْء الْفَم أَو دونه وَلَيْسَ هُوَ بقيء، فَإِن عَاد فَهُوَ الْقَيْء، فعلَى هَذَا يكون قَوْله فِي الحَدِيث: «أَو قلس» للتقسيم، وَعَلَى الأول تكون «أَو» للشَّكّ من الرَّاوِي. وَقَوله: «أَو رعف» هُوَ مثلث الْعين حكاهن ابْن مَالك فِي مثلثه، قَالَ ابْن الصّلاح: الصَّحِيح فِيهِ فتح الْعين، قَالَ: وَرُوِيَ ضمهَا عَلَى ضعف فِيهِ، قَالَ: وَرُوِيَ أَن هَذِه الْكَلِمَة كَانَت السَّبَب فِي لُزُوم سِيبَوَيْهٍ الْخَلِيل بن أَحْمد، وتعويله عَلَيْهِ فِي طلب الْعَرَبيَّة بعد أَن كَانَ يطْلب الحَدِيث وَالتَّفْسِير، وَذَلِكَ أَنه سَأَلَ يَوْمًا حَمَّاد بن سَلمَة فَقَالَ لَهُ: أحَدثك هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه فِي رجل رعف فِي الصَّلَاة وَضم الْعين- فَقَالَ لَهُ: أَخْطَأت إِنَّمَا هُوَ رعف- بِفَتْح الْعين- فَانْصَرف إِلَى الْخَلِيل وَلَزِمَه.

.الحديث الرَّابِع:

أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لأسماء: «حتيه، ثمَّ اقرصيه، ثمَّ اغسليه بِالْمَاءِ وَصلي فِيهِ».
هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي أثْنَاء بَاب النَّجَاسَات فَرَاجعه مِنْهُ.

.الحديث الخَامِس:

أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «لعن الله الْوَاصِلَة وَالْمسْتَوْصِلَة، والواشمة والمستوشمة، والواشرة والمستوشرة».
هَذَا الحَدِيث ذكره كَذَلِك تبعا للغزالي، وَالْغَزالِيّ تبع إِمَامه، وَالْإِمَام تبع القَاضِي الْحُسَيْن، وَكَذَا ذكره الْمَاوَرْدِيّ، لَكِن بِلَفْظ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام «لعن الْوَاصِلَة...» إِلَى آخِره، وَهُوَ بِاللَّفْظِ الأول مُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث ابْن عمر إِلَّا قَوْله: «والواشرة والمستوشرة» فَزِيَادَة لَيست فِي رِوَايَات هَذَا الحَدِيث الصَّحِيح. وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي «تذنيبه»: إِنَّهَا مروية فِي غير الرِّوَايَات الْمَشْهُورَة، وَهُوَ كَمَا قَالَ فقد أسندها أَبُو بكر الباغندي فِي جمعه لحَدِيث عمر بن عبد الْعَزِيز من حَدِيثه، عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن قارظ، عَن مُعَاوِيَة مَرْفُوعا «لعن الله الواشمة، والمتنمصة والنامصة، والواشرة والمستوشرة». وَقد وَقع لنا عَالِيا: أخبرنَا ابْن السراج قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة أخبرتنا شامية بنت الْبكْرِيّ، أَنا ابْن طبر زد، أَنا أَبُو الْمَوَاهِب الْوراق وَابْن عبد الْبَاقِي قَالَا: أَنا أَبُو مُحَمَّد الْجَوْهَرِي، أَنا أَبُو الْحُسَيْن الْحَافِظ مُحَمَّد بن المظفر، ثَنَا الباغندي، وَفِي سَمَاعنَا «الموشومة» بدل «المستوشرة».
وَذكرهَا أَبُو نعيم من حَدِيث عبد الله بن عِصَام الْأَشْعَرِيّ مَرْفُوعا «لعن عشرَة العاضهة والمعتضهة- يَعْنِي: الساحرة- والواشرة والموشرة...» الحَدِيث.
قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي «مُخْتَلفه»: قَالَ الشَّاعِر:
ت فِي عقد العاضه المعضه أعوذ بربي من النافثا. وَذكرهَا أَبُو عبيد فِي كِتَابه غَرِيب الحَدِيث بِغَيْر إِسْنَاد.
قَالَ ابْن الصّلاح: وَلم أجد لَهَا ثبتًا بعد الْبَحْث الشَّديد، غير أَن أَبَا دَاوُد وَالنَّسَائِيّ رويا فِي حَدِيث آخر عَن أبي رَيْحَانَة عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه نهَى عَن الوشم والوشر».
قلت: وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا فِي مُسْنده، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن مَسْعُود «لعن الله الْوَاشِمَات والموتشمات، وَالْمُتَنَمِّصَات وَالْمُتَفَلِّجَات لِلْحسنِ، الْمُغيرَات خلق الله».
وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ «لعن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الواشمة والمتوشمة، والواصلة والموصولة وَفِي رِوَايَة لَهُ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْهَى عَن النامصة والواشرة والواصلة والواشمة إِلَّا من دَاء». وَفِي مُسْند أَحْمد أَيْضا عَن عَائِشَة «كَانَ يلعن القاشرة والمقشورة والواشمة والمتوشمة والواصلة والموصولة». وَقد فسر الرَّافِعِيّ هَذِه الْأَلْفَاظ فِي الشَّرْح فأغنانا عَن الْخَوْض فِي ذَلِك. قَالَ: وَيروَى بدل «المستوشمة والمستوشرة»: «الموتشمة والمؤتشرة». قلت: قد «سلف الموتشمة».

.الحديث السَّادِس:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن الصَّلَاة فِي سَبْعَة مواطنٍ: المزبلة، والمجزرة، وقارعة الطَّرِيق، وبطن الْوَادي، وَالْحمام، ومعاطن الْإِبِل، وَفَوق ظهر بَيت الله». وَيروَى بدل «بطن الْوَادي»: «الْمقْبرَة».
هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي بَاب اسْتِقْبَال الْقبْلَة، وَلَيْسَ فِي روايتهم «بطن الْوَادي»، وَهِي غَرِيبَة لَا نَعْرِف تبع الرَّافِعِيّ فِيهَا الْوَسِيط والْوَجِيز، وَهُوَ تبع إِمَامه وَلم يعزها الرَّافِعِيّ فِي تذنيبه إِلَّا إِلَى الْغَزالِيّ، وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط: قد علل النهى عَن الصَّلَاة فِي بطن الْوَادي باختلال الْخُشُوع فِيهِ خوفًا من سيل هاجم فَلَو لم يخف فَلَا نهي، وَهَذَا النَّهْي لم أجد لَهُ ثبتًا، وَلَا وجدت لَهُ ذكرا فِي كتب من يرجع إِلَيْهِم فِي مثل ذَلِك، كَيفَ وَالْمَسْجِد الْحَرَام إِنَّمَا هُوَ فِي بطن وادٍ؟! كثيرا مَا هجمت السُّيُول فِيهِ عَلَى غَفلَة. قَالَ: وَالَّذِي ذكره الإِمَام الشَّافِعِي إِنَّمَا هُوَ وادٍ خَاص، وَهُوَ الَّذِي نَام فِيهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن مَعَه عَن الصَّلَاة حَتَّى فَاتَت، فكره أَن يصلوا فِيهِ، وَقَالَ: «اخْرُجُوا بِنَا من هَذَا الْوَادي؛ فَإِن فِيهِ شَيْطَانا» رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة.
قلت: بل ورد أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى فِي هَذَا الْوَادي، كَمَا أسلفته فِي الحَدِيث السَّادِس من بَاب الْأَذَان.
فَائِدَة: «المجزرة»- بِفَتْح الْمِيم وَالزَّاي- مَوضِع ذبح الْحَيَوَان.
وقارعة الطَّرِيق أَعْلَاهُ، وَقيل صَدره. و«معاطن الْإِبِل» مباركها حول الْحَوْض، «والمقبرة»- مثلث الْبَاء- «والمزبلة»- بِفَتْح الْبَاء أَجود من ضمهَا.

.الحديث السَّابِع:

رَوَى أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا أدركتم الصَّلَاة وَأَنْتُم فِي مراح الْغنم، فصلوا فِيهَا فَإِنَّهَا سكينَة وبركة، وَإِذا أدركتم وَأَنْتُم فِي أعطان الْإِبِل، فاخرجوا مِنْهَا وصلوا؛ فَإِنَّهَا جن خلقت من جن، أَلا ترَى إِذا نَفرت كَيفَ تشمخ بأنفها؟!».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي كَذَلِك فِي الْأُم عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن عبيد الله بن طَلْحَة بن كريز- بِفَتْح الْكَاف وبالزاي فِي آخِره- عَن الْحسن، عَن عبد الله بن معقل، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مخرج فِي الْمسند أَيْضا، وَقَالَ: عَن عبد الله بن معقل أَو مُغفل. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا الشَّك أَظُنهُ من الرّبيع، وَهُوَ مُغفل بِلَا شكّ، وكَذَلِك أخرجه النَّسَائِيّ أَي: من حَدِيث أَشْعَث، عَن الْحسن عَنهُ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام «نهَى عَن الصَّلَاة فِي أعطان الْإِبِل».
قلت: وَإِبْرَاهِيم هَذَا قد علمت كَلَام الْأَئِمَّة فِيهِ فِي كتاب الطَّهَارَة، وَقد أخرجه مَعَ النَّسَائِيّ ابْن مَاجَه من حَدِيث يُونُس عَن الْحسن عَن عبد الله بن مُغفل بِلَفْظ: «صلوا فِي مرابض الْغنم، وَلَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل؛ فَإِنَّهَا خلقت من الشَّيَاطِين». وَأخرجه أَحْمد من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ «كُنَّا نؤمر أَن نصلي فِي مرابض الْغنم وَلَا نصلي فِي أعطان الْإِبِل؛ فَإِنَّهَا خلقت من الشَّيَاطِين» وَأخرجه أَحْمد أَيْضا من حَدِيث أبي سُفْيَان بن الْعَلَاء، عَن الْحسن عَنهُ بِلَفْظ «إِذا حضرت الصَّلَاة وَأَنْتُم فِي مرابض الْغنم فصلوا، وَإِذا حضرت الصَّلَاة وَأَنْتُم فِي أعطان الْإِبِل فَلَا تصلوا؛ فَإِنَّهَا خلقت من الشَّيَاطِين».
وَأخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بِسَنَد ابْن مَاجَه وَلَفظه، إِلَّا أَنه قَالَ: «معاطن» بدل «أعطان». وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عبيد الله بن طَلْحَة، عَن الْحسن عَنهُ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي ظلّ شَجَرَة وَأَنا آخذ بِغُصْن من أَغْصَانهَا أَن يُؤْذِيه إِذْ قَالَ: لَوْلَا أَن الْكلاب أمة من الْأُمَم لأمرت بقتلها فَاقْتُلُوا مِنْهَا كل أسود بهيم؛ فَإِنَّهُ شَيْطَان، وَلَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل؛ لِأَنَّهَا من الْجِنّ خلقت، أَلا ترَوْنَ إِلَى هيآتها وعيونها إِذا نَفرت، وصلوا فِي مراح الْغنم فَإِنَّهَا أقرب من الرَّحْمَة». وَفِي المعجم الْكَبِير للطبراني أَن الْحسن سُئِلَ عَن سَمَاعه لحَدِيث قتل الْكلاب مِمَّن؟ قَالَ: أخبرنيه- وَالله- عبد الله بن مُغفل فِي هَذَا الْمَسْجِد. وَفِي مَرَاسِيل ابْن أبي حَاتِم، نَا صَالح بن أَحْمد بن حَنْبَل. قَالَ أبي: سمع الْحسن الْبَصْرِيّ من عبد الله بن مُغفل.
قلت: وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث أَيْضا من رِوَايَة جماعات من الصَّحَابَة غير عبد الله بن مُغفل مِنْهُم جَابر بن سَمُرَة وَهُوَ من أَفْرَاد مُسلم كَمَا ذكرته فِي بَاب الْأَحْدَاث، وَمِنْهُم ابْن عمر وَقد ذكرته هُنَاكَ أَيْضا، وَمِنْهُم الْبَراء بن عَازِب كَمَا ذكرته هُنَاكَ أَيْضا، وَمِنْهُم أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «صلوا فِي مرابض الْغنم، وَلَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث هِشَام، عَن ابْن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة ومن حَدِيث أبي حُصَيْن، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة ثمَّ قَالَ: حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. قَالَ: وَحَدِيث أبي حُصَيْن غَرِيب. قَالَ: وَرُوِيَ من حَدِيثه مَوْقُوفا.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث هِشَام، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِن لم تَجدوا إِلَّا مرابض الْغنم وأعطان الْإِبِل، فصلوا فِي مرابض الْغنم وَلَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل».
وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من طَرِيقين بِسَنَد ابْن مَاجَه هَذَا وَلَفظه، إِلَّا أَنه قَالَ: «إِذا لم تَجدوا» بدل «إِن لم تَجدوا» وَفِي رِوَايَة لِابْنِ عدي وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْوَلِيد بن رَبَاح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «صلُّوا فِي مراح الْغنم، وامسحوا رعامها؛ فَإِنَّهَا من دَوَاب الْجنَّة».
الرعام- بِالْعينِ الْمُهْملَة- مَا يسيل من أنفها. وَفِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير من حَدِيث ابْن عمر أَنه قيل لَهُ: وَمَا الرعام؟
قَالَ: المخاط. قَالَ ثَعْلَب: وصحفه اللَّيْث فَقَالَ: بِالْمُعْجَمَةِ.
وَفِي رِوَايَة للبيهقي من حَدِيث أبي زرْعَة بن عَمْرو بن جرير، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «أَن الْغنم من دَوَاب الْجنَّة فامسحوا رعامها، وصلوا فِي مرابضها».
وَمِنْهُم سُبْرَة بن معبد الْجُهَنِيّ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يُصلَّى فِي أعطان الْإِبِل، وَيصلى فِي مراح الْغنم» رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عبد الْملك بن الرّبيع بن سُبْرَة بن معبد الْجُهَنِيّ عَن أَبِيه، عَن جده بِإِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم، وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نهَى أَن يصلى فِي أعطان الْإِبِل، وَرخّص أَن يصلى فِي مراح الْغنم».
وَمِنْهُم عقبَة بن عَامر رَفعه «صلوا فِي مرابض الْغنم، وَلَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل أَو مبارك الْإِبِل». رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث عَاصِم بن حَكِيم، عَن يَحْيَى بن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ، عَن أَبِيه عَنهُ بِهِ.
وَمِنْهُم ذُو الْغرَّة رَوَاهُ أَحْمد بِنَحْوِ حَدِيث ابْن عمر الْمشَار إِلَيْهِ فِيمَا سلف.
فَائِدَة: مراح الْغنم- بِضَم الْمِيم مأواها لَيْلًا؛ قَالَه الْأَزْهَرِي.

.الحَدِيث الثَّامِن:

أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «اخْرُجُوا بِنَا من هَذَا الْوَادي؛ فَإِن فِيهِ شَيْطَانا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: «ليَأْخُذ كل وَاحِد بِرَأْس رَاحِلَته؛ فإنَّ هَذَا منزل حَضَرنَا فِيهِ الشَّيْطَان» وَقد ذكرت الحَدِيث بِطُولِهِ فِي الحَدِيث السَّادِس من بَاب الْأَذَان، فَرَاجعه من ثمَّ.

.الحديث التَّاسِع:

أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الأَرْض كلهَا مسجدُُ، إِلَّا الْمقْبرَة وَالْحمام».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ. أما الشَّافِعِي فَرَوَاهُ فِي الْأُم وَهُوَ مخرج فِي الْمسند أَيْضا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن يَحْيَى الْمَازِني، عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «...» فَذكره، قَالَ الشَّافِعِي: وجدت هَذَا الحَدِيث فِي كتابي فِي موضِعين: أَحدهمَا: مُنْقَطع، وَالْآخر: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «السّنَن المأثورة» الَّتِي رَوَاهَا الطَّحَاوِيّ عَن الْمُزنِيّ عَنهُ، عَن سُفْيَان بِهِ بِذكر أبي سعيد الْخُدْرِيّ.
وَأما أَحْمد فَرَوَاهُ عَن يزِيد، نَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَمْرو، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد وَأما أَبُو دَاوُد فَرَوَاهُ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، نَا حَمَّاد، وَعَن مُسَدّد، ثَنَا عبد الْوَاحِد، عَن عَمْرو بِهِ.
وَأما التِّرْمِذِيّ فَرَوَاهُ عَن ابْن أبي عمر، وَأبي عمار الْحُسَيْن بن حُرَيْث قَالَا: نَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن عَمْرو بِهِ.
وَرَوَاهُ كَذَلِك فِي علله قَالَ: تَابعه حَمَّاد بن سَلمَة.
وَأما ابْن مَاجَه: فَرَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى، ثَنَا يزِيد بن هَارُون، ثَنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن أَبِيه وَحَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَمْرو، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد بِهِ. وَأما الدَّارَقُطْنِيّ فَرَوَاهُ فِي علله عَن الْبَغَوِيّ والصفار، ثَنَا أَبُو قلَابَة، ثَنَا أَبُو نعيم، ثَنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد بِهِ. ثمَّ قَالَ: وثنا جَعْفَر بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْمُؤَذّن ثِقَة، ثَنَا السّري بن يَحْيَى، ثَنَا أَبُو نعيم وَقبيصَة قَالَا: ثَنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو بن يَحْيَى، عَن أَبِيه، مَرْفُوعا بِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث قد رُوِيَ عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد رِوَايَتَيْنِ، مِنْهُم من ذكره عَن أبي سعيد، وَمِنْهُم من لم يذكرهُ، وَهَذَا حَدِيث فِيهِ اضْطِرَاب رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عَمْرو بن يَحْيَى، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا، وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَمْرو، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد مُتَّصِلا وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عَمْرو، عَن أَبِيه. قَالَ: وَكَانَ عَامَّة رِوَايَته عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يذكر فِيهِ عَن أبي سعيد، وَكَأن رِوَايَة الثَّوْريّ، عَن عَمْرو، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أثبت وَأَصَح هَذَا آخر كَلَام التِّرْمِذِيّ. وَقَالَ فِي علله، كَانَ الدَّرَاورْدِي أَحْيَانًا يذكر فِيهِ عَن أبي سعيد، وَرُبمَا لم يذكر فِيهِ، وَالصَّحِيح رِوَايَة الثَّوْريّ وَغَيره عَن عَمْرو، عَن أَبِيه مُرْسل، وَحَاصِله أَن رِوَايَته مُرْسلا أثبت وَأَصَح من رِوَايَته مُسْندًا، وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله؛ فَإِنَّهُ لما سُئِلَ عَنهُ قَالَ: يرويهِ عَمْرو بن يَحْيَى بن عمَارَة وَاخْتلف عَنهُ فَرَوَاهُ عَنهُ عبد الْوَاحِد بن زِيَاد والدراوردي وَمُحَمّد بن إِسْحَاق، عَن عَمْرو بن يَحْيَى، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد مُتَّصِلا. قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو نعيم، عَن الثَّوْريّ، عَن عَمْرو، وَتَابعه سعيد بن سَالم القداح وَيَحْيَى بن آدم، عَن الثَّوْريّ فوصلوه، وَرَوَاهُ جمَاعَة عَن عَمْرو عَن أَبِيه مُرْسلا، والمرسل الْمَحْفُوظ ثمَّ سَاقه من طريقي الْوَصْل والإرسال بِإِسْنَادِهِ كَمَا قدمْنَاهُ عَنهُ، وَلما ذكره عبد الْحق فِي أَحْكَامه قَالَ: اخْتلف فِي إِسْنَاده، أسْندهُ نَاس، وأرسله آخَرُونَ مِنْهُم الثَّوْريّ، قَالَ أَبُو عِيسَى: وَكَأن الْمُرْسل أصح.
قلت: وَقد أسلفنا من طَرِيق ابْن مَاجَه وصل الثَّوْريّ لَهُ، وَتبع فِي ذَلِك التِّرْمِذِيّ، فَإِنَّهُ عزا الْإِرْسَال إِلَى الثَّوْريّ أَيْضا قَالَ ابْن الْقطَّان يَنْبَغِي أَلا يضرّهُ الِاخْتِلَاف إِذا كَانَ الَّذِي أسْندهُ ثِقَة، قَالَ: وَإِلَى هَذَا فَإِن الَّذِي لأَجله ذكرته هُنَا هُوَ أَن أَبَا دَاوُد ذكره هَكَذَا: ثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا حَمَّاد، وثنا مُسَدّد، ثَنَا عبد الْوَاحِد، عَن عَمْرو بن يَحْيَى، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مُوسَى فِي حَدِيثه فِيمَا يحْسب عَمْرو أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الأَرْض كلهَا مَسْجِد إِلَّا الْحمام والمقبرة» فقد أخبر حَمَّاد فِي رِوَايَته، أَن عَمْرو بن يَحْيَى شكّ في ذكر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، ومنتهى الَّذين رَوَوْهُ مَرْفُوعا إِلَى عَمْرو، فَإِن الحَدِيث حَدِيثه وَعَلِيهِ يَدُور فَسَوَاء شكّ أَولا ثمَّ تَيَقّن، أَو تَيَقّن ثمَّ شكّ، فَإِنَّهُ لَو تعين الْوَاقِع مِنْهُمَا أَنه الشَّك بعد أَن حدث بِهِ متيقنًا للرفع لَكَانَ يخْتَلف فِيهِ، فَمن يرَى نِسْيَان الْمُحدث قادحًا لَا يقبله، وَمن يرَاهُ غير ضار يقبله، وَإِن قدرناه حدث بِهِ شاكًا ثمَّ تَيَقّن، فهاهنا يحْتَمل أَن يُقَال: عثر بعد الشَّك عَلَى سَبَب من أَسبَاب الْيَقِين، مثل أَن يرَاهُ فِي مسموعاته أَو مكتوباته فيرفع شكه فَلَا يُبَالِي مَا تقدم من تشككه، وَمَعَ هَذَا فَلَا يَنْبَغِي للمحدث أَن يتْرك مثل هَذَا فِي نَقله فَإِنَّهُ إِذا فعل فقد أَرَادَ منا قبُول رَأْيه فِي رِوَايَته، وَهَذَا كُله إِنَّمَا يكون إِذا سلم أَن الدراوردى وَعبد الْوَاحِد الرافعين لَهُ سمعاه مِنْهُ غير مَشْكُوك فِيهِ، فَإِنَّهُ من الْمُحْتَمل أَلا يكون الْأَمر كَذَلِك بِأَن يسمعاه مشكوكًا فِيهِ كَمَا سَمعه حَمَّاد ولكنهما حَدثا بِهِ وَلم يذكرَا ذَلِك اكْتِفَاء بحسبانه، وَعَلَى هَذَا يكون عِلّة الْخَبَر أبين. هَذَا آخر كَلَامه وَقد أسلفنا رِوَايَة حَمَّاد، عِنْد أَحْمد وَابْن مَاجَه وَغَيرهمَا بِالْجَزْمِ بِالرَّفْع عَن عَمْرو بن يَحْيَى من غير شكّ فِيهِ، وَتَابعه عَلَيْهِ جماعات مِنْهُم سُفْيَان بن عُيَيْنَة كَمَا سلف عَن رِوَايَة الشَّافِعِي، وَمِنْهُم عبد الْوَاحِد كَمَا سلف عَن رِوَايَة أبي دَاوُد، وَمِنْهُم عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد كَمَا سلف عَن رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، وَقد رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، عَن ابْن خُزَيْمَة، ثَنَا بشر بن معَاذ الْعَقدي، ثَنَا عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، ثَنَا عَمْرو بن يَحْيَى، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد بِهِ وَرَوَاهُ عَن عمرَان بن مُوسَى السّخْتِيَانِيّ، ثَنَا أَبُو كَامِل الجحدري، ثَنَا عبد الْوَاحِد بِهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَن ابْن خُزَيْمَة، أَنا مُحَمَّد بن غَالب، ثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا عبد الْوَاحِد بن زِيَاد بِهِ، فَهَذَا مُوسَى نَفسه قد جزم وَلم يشك، ثمَّ رَوَاهُ عَن عبد الله بن مُحَمَّد الصيدلاني، نَا مُحَمَّد بن أَيُّوب، أَنا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى، نَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، نَا عَمْرو بِهِ، ثمَّ رَوَاهُ عَن ابْن خُزَيْمَة، أَنا أَبُو الْمثنى، نَا مُسَدّد، نَا بشر بن الْمفضل، نَا عمَارَة بن غزيَّة، عَن يَحْيَى بن عمَارَة، ثمَّ قَالَ: هَذِه الْأَسَانِيد كلهَا صَحِيحَة عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَلم يخرجَاهُ.
قلت: فَظهر بِهَذَا صِحَة الحَدِيث، وَزَوَال الشَّك فِي رَفعه، وبَقِي النّظر فِي كَون الْأَصَح وَصله أَو إرْسَاله، وَقد أسلفنا عَن التِّرْمِذِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ تَصْحِيح إرْسَاله، وَقد صحّح وَصله ابْن حبَان وَالْحَاكِم كَمَا ترَى، وَهُوَ زِيَادَة من ثِقَة فَقبلت، وَقد صححها أَيْضا جمَاعَة من الْمُتَأَخِّرين مِنْهُم الرَّافِعِيّ نَفسه فِي شرح الْمسند، فَإِنَّهُ قَالَ: هَذَا الحَدِيث بَين الشَّافِعِي أَنه رُوِيَ مرّة مُنْقَطِعًا، وَمرَّة مَوْصُولا، وَلَا يضر الِانْقِطَاع إِذا ثَبت الْوَصْل فِي بعض الرِّوَايَات، وَمِنْهُم الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابه الإِمام: حَاصِل مَا يعل فِيهِ بِالْإِسْنَادِ والإرسال، وَأَن الروَاة اخْتلفُوا فِي ذَلِك قَالَ: وَإِذا كَانَ الرافع نَفسه ثِقَة فقد عرف مَذْهَب الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء فِي قبُوله. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه بعد أَن اسْتدلَّ بِهِ لمذهبه: إِن قيل هُوَ مُضْطَرب كَانَ الدَّرَاورْدِي يَقُول فِيهِ تَارَة: عَن أبي سعيد، وَتارَة لَا يذكرهُ، ثمَّ أجَاب بِأَن مثل هَذَا لَا يُوجب إطراح الحَدِيث.
والْمزي فِي أَطْرَافه: رَوَاهُ عَلّي بن عبد الْعَزِيز، عَن حجاج بن منهال، عَن حَمَّاد مُسْندًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو بكر الْبَزَّار، عَن أبي كَامِل الجحدري، عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو نعيم، عَن خَارِجَة بن مُصعب، عَن عَمْرو بن يَحْيَى، وَأما الْبَيْهَقِيّ فَإِنَّهُ تبع الدَّارَقُطْنِيّ وَالتِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ لما ذكره مُرْسلا من طَرِيق الثَّوْريّ قَالَ: وَقد رُوِيَ مَوْصُولا وَلَيْسَ بِشَيْء. قَالَ: وَحَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة مَوْصُول، وَقد تَابعه عَلَى وَصله عبد الْوَاحِد بن زِيَاد والدراوردي، ثمَّ أسْندهُ مَوْصُولا من وَجه آخر. وَلَك أَن تَقول: إِذا وَصله حَمَّاد وتوبع عَلَى وَصله فَلم لَا تُرجح عَلَى رِوَايَة الْإِرْسَال، عوضا عَن كَونهَا لَيْسَ بِشَيْء، لاسيما وَقد اعتضدت أَيْضا بِالْحَدِيثِ السالف فِي اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِي النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي سَبْعَة مَوَاطِن مِنْهَا الْمقْبرَة وَالْحمام، وإِن كَانَ ضَعِيفا.
وَأنكر النَّوَوِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- عَلَى الْحَاكِم تَصْحِيحه فَقَالَ: إِنَّه لَا يقبل مِنْهُ، فَإِن الَّذين ضَعَّفُوهُ أتقن مِنْهُ، قَالَ: وَلِأَنَّهُ قد تصح أسانيده وَهُوَ ضَعِيف لاضطرابه.
وَهَذَا مِنْهُ فِيهِ نظر؛ لأَنا قَررنَا أَن هَذَا الِاضْطِرَاب غير قَادِح، وَمن ضعفه لم يطعن فِي رِجَاله، وَإِنَّمَا قَالَ: إِن الْمُرْسل أصح كَمَا أسلفناه، وَلم يصب ابْن دحْيَة فِي قَوْله فِي كتاب التَّنْوِير فِي مولد السراج الْمُنِير: هَذَا لَا يَصح من طَرِيق من الطّرق فاجتنبه.